عندما اصطف السوفييت إلى جانب الرباط: تفاصيل “الفيتو” التاريخي الذي أيد مغربية موريتانيا عام 1960

ريف360- ماسين

مثلت الفترة التي تلت استقلال دول شمال وغرب إفريقيا في مطلع الستينات حقبة من التوتر الشديد في أروقة الأمم المتحدة، حيث اصطدمت طموحات الدول المستقلة حديثا بالمطالب التاريخية للدول المجاورة، وكل ذلك تحت ضغط التنافس بين القوتين العظميين. في هذا السياق، برزت أزمة انضمام الجمهورية الإسلامية الموريتانية للأمم المتحدة كدراسة حالة نادرة، حيث استخدمت القوة العظمى الشرقية، الاتحاد السوفيتي (USSR)، حق النقض (الفيتو) لدعم المطالب الترابية للمملكة المغربية.

بعد حصول موريتانيا على استقلالها من فرنسا في 28 نوفمبر 1960، رفض المغرب، بقيادة الملك محمد الخامس، هذا الاستقلال بشكل قاطع، مؤكدا أن موريتانيا كانت تاريخيا جزءا من التراب المغربي. وقد أطلق المغرب حملة دبلوماسية واسعة لمنع اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الجديدة، معتبرا أن الانضمام يرسخ تقسيم الأراضي المغربية. وبناء على ذلك، عندما تقدمت فرنسا بطلب إلى مجلس الأمن للتوصية بقبول موريتانيا كعضو، كان الموقف المغربي يمثل معارضة قوية داخل المنظمة الدولية.

الفيتو السوفياتي لصالح المغرب ضد الوثيقة S/4568

تكشف سجلات الأمم المتحدة بوضوح الموقف السوفيتي. ففي 4 ديسمبر 1960، وأثناء مناقشة مجلس الأمن لطلب عضوية موريتانيا، استخدم الاتحاد السوفيتي حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي يوصي بقبول الدولة الإفريقية.

كان الإجراء السوفيتي بمثابة ترجمة صريحة للدعم الدبلوماسي للموقف المغربي. فبالرغم من أن الفيتو لم يكن موجها بعبارات مباشرة لدعم “مغربية موريتانيا” في الوثائق الرسمية، إلا أن نتيجته كانت تجميد عملية الاعتراف الدولي بموريتانيا، وهو الهدف الأساسي للدبلوماسية المغربية آنذاك. وقد تم تسجيل هذا التصويت في محضر جلسة مجلس الأمن رقم S/PV.911 المتعلق بمناقشة مشروع القرار S/4568.

خلفيات الحرب الباردة: المقايضة الجيوسياسية

لم يكن الدعم السوفيتي لعرقلة عضوية موريتانيا نابعا من قناعات تاريخية، بقدر ما كان مرتبطا بحسابات الحرب الباردة المعقدة والتحالفات الإفريقية-الآسيوية.

أولا: كان الاتحاد السوفيتي يسعى لتحقيق مصالح سياسية متبادلة. فقد كانت هناك مطالبات سوفيتية بقبول عضوية منغوليا، والتي كانت تعارض بشدة من قبل الصين الوطنية (تايوان) وحلفائها الغربيين. استخدام الفيتو ضد طلب تدعمه فرنسا (الخصم الغربي) كان ورقة مساومة لفتح الباب أمام حليفته الآسيوية.

ثانيا: حرصت موسكو على استمالة المغرب، الذي كان أحد الأعضاء المؤثرين في حركة عدم الانحياز والدول العربية حديثة الاستقلال. دعم الموقف المغربي في نزاعه مع قوة استعمارية سابقة (فرنسا) سمح للاتحاد السوفيتي بتعزيز مكانته الأيديولوجية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، في مواجهة النفوذ الأمريكي-الفرنسي.

نهاية الأزمة وتعديل الموقف

استمرت العضوية الموريتانية معلقة لأكثر من عام بسبب استمرار الموقف المغربي والسوفيتي. لم تتغير المعادلة إلا في أكتوبر 1961، بعدما تم التوصل إلى صفقة دولية سمحت بقبول كل من موريتانيا ومنغوليا في الأمم المتحدة.

في 25 أكتوبر 1961، وعندما عرض طلب عضوية موريتانيا من جديد في مجلس الأمن، تم تمرير القرار 167. هذه المرة، لم يستخدم الاتحاد السوفيتي حق النقض بل اكتفى بـ الامتناع عن التصويت، مما أتاح لموريتانيا الحصول على توصية المجلس اللازمة والانضمام إلى الأمم المتحدة.

خلاصة القول، يعد استخدام الفيتو السوفيتي عام 1960 دليلا تاريخيا موثقا على أن الموقف السياسي لموسكو في تلك اللحظة الحرجة كان منحازا لصالح المطالب الترابية المغربية، حتى وإن كانت دوافعه الأساسية مدفوعة بالصراع الجيوسياسي مع الكتلة الغربية في خضم الحرب الباردة.

دلالات الفيتو: من موريتانيا إلى الصحراء المغربية

إن هذا السجل التاريخي، حيث أظهر الاتحاد السوفيتي (إحدى القوى الكبرى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن) دعما فعالا للمطالب المغربية التاريخية لدرجة استخدام حق النقض (الفيتو) لتأجيل انضمام موريتانيا، يحمل دلالة عميقة تنعكس على قضية الصحراء المغربية لاحقا.

فإذا كانت المطالبات المغربية تجاه أراض (موريتانيا) أعلنت استقلالها بالكامل ونالت مساندة القوة الاستعمارية السابقة، قد حظيت بهذا الدعم السوفيتي القوي والموثق في سجلات الأمم المتحدة، فما بالك بالأحقية التاريخية والقانونية للرباط في الصحراء المغربية؟ هذه المنطقة ظلت تحت الاستعمار الإسباني المباشر حتى عام 1975، ولم تكن قد أعلنت استقلالا، بل كانت جزءا من عملية إنهاء استعمار أشرفت عليها الأمم المتحدة نفسها (القرار 380 حول المسيرة الخضراء).

هذا التباين في الوقائع التاريخية يبرز أن الموقف المغربي تجاه استكمال وحدته الترابية له جذور راسخة وموثقة، حتى من قِبل قوى دولية كبرى في عز الصراع الأيديولوجي، مما يعزز حجة المغرب في استكمال سيادته على أراضيه الجنوبية ضمن الأطر التاريخية والقانونية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button