الدكتور التدموري: لوبيات خفية تستفيد من موت المرضى في المستشفيات وإصلاح “سكانير” يستغرق شهر

ريف360- ماسين أمزيان
شهد القطاع الصحي في المغرب مؤخرًا موجة من الاحتجاجات الغاضبة، لاسيما بعد فواجع وفيات الأمهات الحوامل في مستشفيات مثل أكادير وزاكورة. وفي تحليل قاس للوضع، أكد الدكتور عبد الوهاب التدموري، المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، أن ما يقع هو انعكاس لـ “إفلاس شامل” يطال جميع القطاعات، وأن الفساد بات بنيويا بعمق، ما يجعل القطاع برمته موصوفا بـ “الفاسد”.
يصف الدكتور التدموري الاحتجاجات بأنها استجابة لواقع مرير يتجاوز كونه أزمة تدبيرية عابرة، مشددا على أن المشاكل الحالية بنيوية وليست وليدة اليوم. ويرى أن وزير الصحة لم ينجح في تدبير الأزمة، وأن زياراته كانت مجرد “جولات فلكلورية” زادت من حدة الاحتقان بدلا من إيجاد حلول جذرية.
ثلاثية الفساد تنهك المنظومة
حدد الدكتور التدموري، وهو طبيب قضى 17 عاما في القطاع العام، مظاهر الفساد البنيوي بثلاثة عوامل رئيسية. أولها، انتشار الرشوة التي أصبحت “سائدة بشكل كبير” في المستشفيات وتحولت إلى “عملة متداولة”، معتبرا ذلك نتيجة لـ “إفلاس أخلاقي” عام. ثانيا، تفاقم البيروقراطية القاتلة التي تعرقل العمل، حيث أشار إلى أن تعطل الأجهزة الطبية الحيوية، مثل السكانير، قد يستغرق إصلاحه شهرا أو شهرين بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة التي تتطلب التنسيق مع الرباط. أما ثالث العوامل، فهو وجود “لوبيات تستفيد” من تعطل الأجهزة في المستشفيات العمومية، مما يساهم في توجيه المرضى قسرا نحو المصحات الخاصة، وهو ما دفع الفرقة الوطنية إلى تحريك تحقيقات في قضايا مرتبطة بتلك الأجهزة في مدن مثل طنجة وتازة.
غياب المسؤولية والخصاص المهول
وفي سياق وفيات الحوامل، أكد التدموري أن السبب الرئيسي هو “غياب المسؤولية والإخلال بالالتزام الأخلاقي والقانوني” من قبل الأطر الطبية. وسرد تجربته الشخصية في العرائش، حيث عمل كطبيب رئيسي لقسم النساء والتوليد لـ 3 سنوات دون تسجيل أي وفاة رغم قلة الإمكانيات، مؤكدا أن المشكلة تكمن في غياب الأطباء المتخصصين الذي يؤدي إلى عمليات “الطرونسفير” (نقل المرضى) الخطيرة التي تودي بحياة العديد منهم في الطريق.
ولتعميق حجم الأزمة، نبه الدكتور التدموري إلى الخصاص المهول في الموارد البشرية، مشيرا إلى أن عدد الأطباء في المغرب لا يتجاوز 4 لكل 10 آلاف نسمة، مقارنة بـ 15 الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية، بينما يبلغ عدد الممرضين والقابلات 13 لكل 10 آلاف نسمة، في الوقت الذي توصي فيه المنظمة بـ 60.
وفي ختام تحليله، حذر التدموري من مشروع “المجموعات الصحية الترابية (G.S.T)”، معتبرا أن تسليم القطاع بحالته المتردية سيؤدي إلى تحويل المستشفيات إلى “مقاولات” ماليتها مستقلة بدلا من الحفاظ على البعد الاجتماعي للخدمة، وهو ما يمثل تخليا للدولة عن القطاع العمومي.
بل وافترض فرضية خطيرة بأن الاحتجاجات الحالية قد تكون “موظفة” من قبل جهات معينة من أجل التسريع بتنزيل هذا المشروع لإنهاء العلاقة المباشرة بين الدولة والقطاع المؤرق.