وثائق سرية تكشف.. هكذا وازنت واشنطن بين دعم استقلال المغرب وحماية مصالحها مع فرنسا

ريف360- أرشيف

في خضم التغيرات السياسية الجذرية التي شهدتها شمال أفريقيا منتصف الخمسينات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها في موقف دبلوماسي بالغ الحساسية، محاولة الموازنة بين دعم تطلعات الشعوب نحو الاستقلال وبين الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع فرنسا. هذا الواقع المعقد تكشفه وثيقة أمريكية سرية تعود إلى 4 أبريل 1956، كانت موجهة من “هيئة تنسيق العمليات” (OCB) إلى الرئيس الأمريكي آنذاك، وتلخص تفاصيل السياسة الأمريكية تجاه المغرب وتونس والجزائر.

المغرب.. استقلال بطعم المصالح الأمريكية

تعتبر الوثيقة أن المغرب كان في طريقه نحو الحكم الذاتي الكامل، خاصة بعد عودة السلطان محمد بن يوسف إلى العرش في 16 نونبر 1955 وتشكيل حكومة جديدة في 7 دجنبر. وتؤكد الوثيقة أن الولايات المتحدة لعبت دورا حاسما خلال هذه الفترة “الحساسة والحرجة”، حيث شجعت فرنسا على منح المغاربة مزيدا من الحكم الذاتي، وحثت المغاربة على ضبط النفس، وناقشت مع الإسبان والعرب أهمية التقارب الفرنسي المغربي.

توضح الوثيقة أن هذه الجهود لم تمر دون مكاسب، فقد لقيت برقيات التهنئة الأمريكية للسلطان ترحيبا حارا، على عكس الردود المتحفظة التي قدمها للسوفييت. كما كان قرار واشنطن التخلي عن الامتيازات القضائية (الحقوق في المحاكمات خارج الأراضي الأمريكية) في المغرب، والذي أعلن عنه في 26 يناير 1956، محل ترحيب كبير، رغم أن الوثيقة تشير إلى أن هذا القرار واجه بعض المعارضة داخل الكونغرس الأمريكي.

وعلى الصعيد العسكري، تشير الوثيقة إلى أن المفاوضات المتعلقة بالقواعد العسكرية الأمريكية استمرت بفضل هذا التقارب، حيث لم تتعرض القواعد لأي مضايقات خلال فترة العنف. وتكشف الوثيقة أن الأمريكيين كانوا يسعون لزيادة عدد قواتهم الجوية بـ 2225 عنصرا، وأنهم أدركوا أن مستقبل هذه القواعد قد يصبح محل تفاوض مباشر مع الحكومة المغربية، وهو ما قد يتطلب من الولايات المتحدة تقديم مساعدة اقتصادية كبيرة “كمقابل طبيعي” لحقوق القواعد.

تونس والجزائر.. تطورات متسارعة وتحديات متنامية

في تونس، اعترفت فرنسا رسميا باستقلال البلاد في 20 مارس 1956، رغم أن الوثيقة تشير إلى أن الوضع كان قد تدهور سابقا بسبب التقدم المغربي الأسرع والصراع الجزائري. وتبرز الوثيقة الانتصار الساحق للقوميين المعتدلين بزعامة الحبيب بورقيبة في انتخابات 25 مارس، لكنها لا تغفل التوترات، حيث وثقت حادثة قيام غوغاء من الفرنسيين المحليين بتخريب القنصلية الأمريكية ومكاتب الوكالة الأمريكية للإعلام في تونس، وهو ما دفع الحكومة الفرنسية للاعتذار.

أما في الجزائر، فقد وصفت الوثيقة الوضع بأنه “تدهور مطرد”، مع تزايد أعمال العنف. وتوضح أن فرنسا حشدت قوات إضافية من التزاماتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة التمرد، وسعت للحصول على مساعدة أمريكية للحصول على مروحيات. وفي محاولة لمواجهة “المشاعر المعادية للأمريكيين” في فرنسا، ألقى السفير الأمريكي “ديلون” خطابا في 20 مارس، أكد فيه على دعم الولايات المتحدة للحلول الفرنسية “الليبرالية والعادلة” في المنطقة.

واشنطن في مأزق.. دعم الاستقلال أم الحفاظ على التحالف؟

تؤكد الوثيقة أن واشنطن كانت تواجه معضلة أساسية: “دعم التطلعات القومية لشعوب المنطقة في أشكالها المعتدلة، دون زيادة الشكوك الفرنسية حول دوافعنا”. وترى أن هذا الصراع غير المحسوم قد يضعف الموقف الأمريكي في المنطقة، خاصة مع تزايد خطر “التغلغل الشيوعي” الذي قد يستغل الفراغ السياسي الناتج عن تراجع السيطرة الفرنسية.

وفي الخلاصة، يكشف التقرير أن واشنطن كانت تدرك تماما أن عليها أن تدعم العناصر المعتدلة الموالية للغرب، مثل الملك محمد الخامس وبورقيبة، وتستعجل فرنسا في تقديم التنازلات لهم حتى يتمكنوا من الحفاظ على قاعدتهم الشعبية. وبينما كان ملفا المغرب وتونس يتجهان نحو الحلول السياسية، كانت الولايات المتحدة لا تزال تنتظر مناخا سياسيا أكثر ملاءمة في الجزائر قبل أن تدفع نحو الحصول على حقوق عسكرية في المنطقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button