ماذا قال الملك الحسن الثاني عن الريف والصحراء؟ أسرار برقية أمريكية عام 1983

ريف360- بروكسيل
في دهاليز التاريخ الدبلوماسي، تظهر أحيانا وثائق تحمل في طياتها مفاتيح لفهم قرارات سياسية مصيرية. من أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، تم الكشف عن برقية دبلوماسية تعود إلى 17 سبتمبر 1983، تلقي الضوء على كواليس الموقف المغربي من قضية الصحراء، وتكشف للمرة الأولى عن بعد حساس كان يشغل بال الملك الراحل الحسن الثاني، وهو بعد يخص منطقة الريف.
البرقية، التي أرسلها أدميرال أمريكي من يوغوسلافيا، تلخص اجتماعا بين نائب الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء التونسي محمد مزالي. كان الحديث يدور حول العلاقات بين دول المغرب الكبير الثلاث (المغرب، الجزائر، وتونس)، والتوترات المحيطة بالصحراء، عندما تطرق رئيس الوزراء التونسي إلى مخاوف الملك الحسن الثاني.
الحسن الثاني يخشى “تفكك” الوحدة الوطنية
وحسب ما نقله رئيس الوزراء التونسي، فإن الملك الراحل عبر عن قلقه بشأن الحلول المقترحة لقضية الصحراء، مثل صيغة “الكونفدرالية”، وهي فكرة كانت تطرح حينها. ووفقا للوثيقة، فإن الملك الحسن الثاني ربط بشكل مباشر بين قضية الصحراء ومصير منطقة الريف. وقال نصا، حسب ما ورد في البرقية: “إذا تنازلت عن الصحراء، فإن أهل الريف، الذين كانوا تحت السيطرة الإسبانية، سيطلبون الشيء نفسه. والوحدة الوطنية سوف تتفكك.”
هذه الكلمات، التي وردت في وثيقة رسمية أمريكية، تكشف عن حجم الحساسية التي كانت ترافق أي نقاش حول الحكم الذاتي أو الحلول اللامركزية في الصحراء، حيث كان الملك يعتبر أي “تنازل” في هذا الملف بمثابة سابقة قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من مناطق أخرى في المملكة، وعلى رأسها منطقة الريف التي لها تاريخ خاص تحت الحماية الإسبانية.
كما أشار الملك إلى أنه يريد أن يورث ابنه (محمد السادس) “مغربا من ستة أو سبع جهات”، في إشارة إلى صيغة شبيهة بالنظام الألماني (laender)، وهو ما يظهر أن رؤيته كانت تتجه نحو نوع من اللامركزية، لكنه رفض أي صيغة قد تقود إلى “تفكك” الوحدة الترابية للمملكة.
الريف في صلب القرارات السيادية
تعطي هذه الوثيقة الأرشيفية نظرة نادرة على الكيفية التي كان بها تاريخ الريف وأهله عنصرا فاعلا وحاسما في التفكير السياسي للملك الراحل الحسن الثاني. لم يكن الريف مجرد منطقة جغرافية، بل كان حاضرا في ذهن صانع القرار كعنصر حاسم في الحفاظ على التوازن السياسي والاستقرار الوطني.
إن هذه البرقية الدبلوماسية تؤكد أن تاريخ الريف، بخصوصياته وتاريخه النضالي، كان ولا يزال جزءا لا يتجزأ من صلب النقاشات السيادية حول مستقبل المغرب ووحدته. إنها شهادة تاريخية على أن الريف لم يكن خارج دوائر صناعة القرار، بل كان دائما محورا مركزيا في حسابات القادة، وهي حقيقة تظل قائمة حتى يومنا هذا، وتؤكد على أهمية البحث في التاريخ لفهم الحاضر.