ما بين وكيل ملك متعال وضابط شرطة ودود.. قصة جالية مغربية تفتح ملف “العقليات” بالإدارة

ريف360- إلهام دوسلدورف
كانت حقائبهم محملة بالهدايا، وقلوبهم يملؤها الشوق لوطن ترتسم صورته في مخيلتهم كجنة خضراء، لا تختلف كثيرا عن “الجنة” التي وصفها نجم عالمي ذات مرة. لكن، وكما يحدث غالبا، اصطدمت هذه الصورة الوردية بواقع مرير، حينما تحول حلم قضاء عطلة صيفية إلى كابوس إداري، لتتحول معها فرحة العودة إلى سؤال مؤلم: هل الوطن مجرد حنين أم واقع يستحق العناء؟
تبدأ الحكاية مع أسرة مغربية مقيمة في هولندا، عادت إلى أرض الوطن بعد سنوات من الغربة، لتتعرض لعملية نصب. لم يكن الأمر جديدا، فالعديد من أفراد الجالية يقعون ضحية لعمليات احتيال من هذا النوع. لكن ما كان صادما حقا هو رحلة البحث عن العدالة في دهاليز الإدارة المغربية.
التباين الصارخ.. ما بين هولندا والمغرب
في بلاد المهجر، تعودت الأسرة على نظام إداري يضع المواطن في صلب اهتماماته، حيث تعالج القضايا بمهنية واحترام، بعيدا عن أي إحساس بالتعالي أو التهميش. لكن في وطنهم، كان المشهد مختلفا تماما.
عندما توجهوا إلى وكيل الملك، لم يجدوا الاحتواء أو الترحيب، بل قوبلوا بـ “نبرة احتقار” ألمت بهم أكثر من قضية النصب نفسها. فما كان يمكن أن يكون إجراء إداريا عاديا، تحول إلى جرح عميق في نفوسهم. هذا الشعور بالدونية، رغم أن القانون يضمن لهم حقوقهم كاملة كمواطنين، جعلهم يشعرون بـ “عنصرية” لا تختلف عن تلك التي قد يواجهونها في الخارج، بل ربما تكون أكثر إيلاما كونها صادرة من مسؤولين في وطنهم.
هذا الموقف ليس حالة معزولة، فكم من مغترب اصطدم بجدار من البيروقراطية أو حتى الابتزاز في المطارات والمستشفيات والإدارات المحلية. فمقابل الحصول على وثيقة بسيطة أو خدمة أساسية، قد يجد المواطن نفسه أمام خيارين: إما الرضوخ لدفع رشوة أو مواجهة مسار طويل من التعطيل والتعنت.
نقطة ضوء وسط الظلام
لكن، في خضم هذا المشهد القاتم، كانت هناك نقطة ضوء أعادت الأمل في نفوسهم. فبينما كان “التعالي” سيد الموقف في مكتب وكيل الملك، وجدوا في نفس الملف، وعلى بعد أمتار قليلة، وجها آخر للإدارة المغربية. كان ذلك مع ضابط شرطة قضائية، الذي تعامل معهم بمهنية عالية وود كبير، بعيدا عن أي تعنت أو استعلاء. هذا التعامل الإيجابي، الذي يعكس نموذجا مشرفا للمسؤولية، جعلهم يحسون بالراحة والأمان، وكأنهم في وطنهم الذي طالما حلموا به.
هذه القصة، رغم بساطتها، تحمل في طياتها رسالة عميقة. إنها تذكير بأن المشكلة ليست في الإدارة ككل، بل في “العقليات” التي تديرها. فبينما تتطور القوانين وتتجه المملكة نحو تحديث مؤسساتها، لا تزال بعض العقول أسيرة سلوكيات قديمة.
التغيير يبدأ من العقلية
إن تحسين تجربة المواطن، سواء كان مقيما بالداخل أو في الخارج، يبدأ من احترام كرامته. وليس الهدف اتهام القضاة أو وكلاء الملك، فهناك نماذج مهنية ومسؤولة تلتزم بالقانون وتتعامل مع المواطنين باحترام كامل. فكما أن بعض القضاة قد يصرون على فرض هيبتهم بالتعالي، هناك آخرون يمثلون مثالا حيا للاحترافية والود، كما أن الممرضين والأطباء المخلصين يقدمون خدمة إنسانية حقيقية للمرضى، بينما هناك آخرون قد يترك بعض المرضى يعانون على أسرة المستشفيات. المشكل ليس في المؤسسات بقدر ما هو في الأفراد الذين يتصرفون بتعالي أو استهتار، ويحتاجون للتكوين والتحسيس المستمر لضمان احترام كرامة المواطنين.
فإذا كانت الدولة تسعى إلى استقطاب استثمارات مغاربة العالم وتحثهم على المساهمة في التنمية، فإن أفضل استثمار يمكن تقديمه هو صون كرامتهم وتبسيط مساراتهم. لأن شعور المواطن بالأمان والاحتواء في وطنه لا يقدر بثمن، وهو حجر الزاوية لأي بناء تنموي مستدام.