قطاعان صحيان بسرعتين مختلفتين.. هل يحل القطاع الخاص أزمة المستشفيات العمومية أم يكشفها؟

ريف360- إلهام دوسلدورف

في الوقت الذي تحتفل فيه مجموعة “أكديطال” بتدشين منشآتها الصحية الجديدة في الجهة الشرقية، معلنة عن إضافات نوعية بسعة سريرية كبيرة في كل من وجدة والناظور، يعود الجدل ليطرح بقوة حول الفجوة المتزايدة بين سرعة ونشاط القطاع الخاص، وبطء وتحديات القطاع العام. إن هذه المفارقة ليست مجرد صدفة، بل هي عنوان لأزمة هيكلية تكشف عن مسارين مختلفين للتنمية الصحية في المملكة.

تنامي القطاع الخاص.. استثمار أم سد لفراغ؟

لا يمكن إنكار أن توسع المجموعات الطبية الخاصة مثل “أكديطال” يمثل استجابة حاسمة لحاجة ملحة في السوق. فبفضل مرونتها المالية وسرعة إنجازها، أصبحت قادرة على توفير بنية تحتية طبية متطورة، خصوصا في تخصصات دقيقة كأمراض السرطان والطب النووي، وهي خدمات كانت غالبا غير متاحة في الكثير من المدن. هذا الحراك يمثل حلا سريعا لبعض المشكلات الصحية، ويقدم خيارات علاجية للمواطنين القادرين على دفع تكاليفها.

لكن هذه الدينامية تقف في تناقض صارخ مع واقع المستشفيات العمومية. فبينما يتم تشييد المصحات الخاصة في غضون شهور، يظل المستشفى الإقليمي بالناظور، على سبيل المثال، ورشا مفتوحا لأكثر من ثماني سنوات دون أن يرى النور بعد. هذه الفوارق الزمنية ليست مجرد أرقام، بل هي مؤشر على خلل في الأولويات والتخطيط، وتهديد مباشر لمبدأ العدالة في الولوج إلى الخدمات الصحية.

تحديات ما بعد التشييد.. الموارد البشرية والتجهيزات

حتى عندما تنجح المشاريع العمومية في تجاوز عقبة البناء الطويل، فإنها غالبا ما تواجه تحديات ما بعد التشييد. فالعديد من المستشفيات الجديدة تظل تعاني من نقص حاد في الأطباء والممرضين، كما تشكو من غياب التجهيزات الضرورية لتشغيلها بكامل طاقتها. هذا الوضع يجعل من المستشفيات العمومية مجرد هياكل خرسانية فارغة، لا تستجيب للتطلعات المتزايدة للمواطنين في الحصول على رعاية صحية لائقة.

تترتب على هذه المفارقة تداعيات اجتماعية خطيرة، حيث يتم إرساء نظام صحي على مستويين: مستوى أول يخدم شريحة معينة تتمتع بإمكانات مادية تسمح لها بالاستفادة من الخدمات المتميزة في القطاع الخاص، ومستوى ثان يخدم الأغلبية التي لا تملك سوى خيار المستشفيات العمومية، التي غالبا ما تكون مكتظة وتعاني من سوء في التسيير.

إن التطور اللافت للقطاع الخاص لا يجب أن يكون مبررا للتراخي في إصلاح القطاع العام. فدور الدولة ليس فقط تشجيع الاستثمار، بل هو بالدرجة الأولى ضمان حق جميع المواطنين في الرعاية الصحية. إن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد معادلة متوازنة، يكون فيها القطاع الخاص شريكا داعما، لا بديلا، للمنظومة الصحية العمومية.

المستقبل الصحي في المغرب يتطلب رؤية شاملة تعيد الاعتبار للمستشفيات العمومية، وتسرع وتيرة إنجازها وتجهيزها بالموارد البشرية الكافية. فبدون إصلاح جذري للقطاع العام، ستتسع الهوة، وستظل “المصحات الخاصة” تضيء الطريق لفئة دون أخرى، تاركة خلفها ظلاما من الأسئلة حول مسار العدالة الاجتماعية في قطاع حيوي كالصحة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button