“خذلان الحكومة” في الريف الشرقي: نزيف الدريوش الديموغرافي بين جفاف الحقوق وإهمال الـ 365 يوما سياحة

ريف360- الدريوش

تعود سواحل إقليم الدريوش لتتصدر المشهد الإعلامي مجددا، لا بجمالها الطبيعي الساحر الذي يمتد من تمسمان إلى رأس كبدانة، بل بتحولها إلى نقطة انطلاق رئيسية لـ “قوارب الموت”. هذا التصاعد المثير للقلق في وتيرة الهجرة غير النظامية، خاصة من شواطئ أمجاو التي تستغل فيها مافيات التهريب نقاط الضعف الليلي في المراقبة، ليس مجرد أزمة أمنية عابرة، بل هو مرآة لحقيقة تنموية مرة عنوانها الأبرز “الخذلان الرسمي”.

إن المشهد الحالي، حيث يدفع الإحباط شباب الناظور والدريوش وبركان لركوب أمواج المجهول، يكشف عن تقاعس مزمن في تبني رؤية تنموية حقيقية قادرة على تحويل هذا الإقليم من منطقة طاردة إلى قطب جاذب. ففي الوقت الذي يعاني فيه الريف من شبح الجفاف الذي قضى على مصدر عيش الفلاحين الصغار، لم تنجح الأجهزة الحكومية المعنية في تقديم بدائل استثمارية قوية تمتص البطالة وتخلق الأمل، بل الأدهى من ذلك هو إقصاء الإقليم من برامج الدعم السياحي الكبرى مثل “Go Siyaha”، وكأن سواحله الجميلة لا تستحق أن تكون وجهة على مدار العام.

لقد اختارت الحكومات المتعاقبة والمؤسسات المحلية الاكتفاء بـ سياحة “المواسم” التي تعتمد فقط على عودة الجالية المغربية في الخارج، في إهمال تام لفرص هائلة لتطوير سياحة بيئية وثقافية وسياحة المغامرات على مدار الـ 365 يوما في العام. هذا الإهمال في استغلال الموارد الطبيعية يغذي الإحباط، ويجعل شباب الإقليم يشعرون بأنهم خارج دائرة الاهتمام الاقتصادي، مما يرسخ قناعة لديهم بأن الحل الوحيد لمواجهة البطالة يكمن في “الهجرة السرية”.

إن معالجة هذا “النزيف الديموغرافي” الذي يهدد مستقبل المنطقة لا يمكن أن تقتصر على نهج أمني قمعي يعزز الدوريات البحرية ويشدد المراقبة عند نقاط الحراسة. بل يجب أن تتبنى الدولة مقاربة شاملة وناقدة لأدائها عبر:

الثورة السياحية المحلية: إطلاق مخطط سياحي وطني مستدام يركز على إقليم الدريوش، ويستهدف تشجيع الاستثمار في مشاريع فندقية صغيرة ومتوسطة تخلق آلاف فرص العمل الدائمة بعيدا عن صيف الجالية.

التكيُف مع الجفاف: دعم الأنشطة الاقتصادية غير الفلاحية التي لا تعتمد على الماء، وإطلاق مشاريع حقيقية للأمن المائي (مثل محطات التحلية) لضمان استقرار السكان المحليين.

لامركزية القرار التنموي: تمكين الجماعات الترابية محليا من سلطة ومالية حقيقية لتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة المبتكرة، بدلا من انتظار وعود مركزية لا تصل أبدا.

إن سواحل الدريوش، التي أصبحت مرآة للمأساة، تحتاج إلى إرادة سياسية حاسمة تعيد الحياة إلى المدن والبلدات قبل فوات الأوان، وتحول القوارب التي تحمل الموت إلى قوارب تحمل الأمل وفرص العمل.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button