الطريق السريع والسكك الحديدية: مفاتيح تحويل الحسيمة من سياحة موسمية إلى مركز اقتصادي

ريف360- الحسيمة
تعرف الحسيمة، “جوهرة المتوسط”، بسحرها الطبيعي الخلاب وشواطئها التي تجذب أفواجا من أبنائها المغتربين في كل صيف. ورغم هذا الجمال، يظل اقتصاد الإقليم حبيس سحر موسمي، إذ يعتمد بشكل شبه كلي على عودة أفراد الجالية المقيمين بالخارج، ليتحول إلى فقاعة اقتصادية تنتفخ في أشهر الصيف وتتلاشى بسرعة مع رحيلهم، تاركة خلفها أسئلة كبيرة حول مستقبلها وتحدياتها الوجودية.
إن هذا الاعتماد المفرط على السياحة الموسمية قد رسخ بنية اقتصادية هشة، لا توفر فرص عمل مستدامة على مدار العام، مما يدفع الشباب إلى الهجرة بحثا عن استقرار لا يجده في موطنه. ولم يعد هذا النموذج قابلا للاستمرار، في ظل تغيرات اقتصادية تتطلب دمجا حقيقيا في منظومة وطنية وإقليمية أكثر حيوية. هنا، تبرز مشاريع البنية التحتية كعامل حاسم يمكنه تحويل المنطقة من “منطقة جذب سياحي” إلى “مركز اقتصادي” فاعل.
بناء الشرايين الاقتصادية: الطريق إلى ميناء الناظور غرب المتوسط
إن أهم خطوة لكسر العزلة الاقتصادية لإقليم الحسيمة تكمن في التسريع الفوري في إنجاز مشروع توسيع الطريق الساحلية الرابطة بين الحسيمة وميناء الناظور غرب المتوسط. هذا المشروع ليس مجرد طريق، بل هو شريان حيوي سيربط الإقليم مباشرة بالدينامية اللوجستية والصناعية التي يتوقع أن يخلقها الميناء الجديد. فبينما يستعد ميناء الناظور للتحول إلى مركز بحري عالمي، يجب أن تكون الحسيمة جزءا أصيلا من هذه الرؤية، لتستفيد من حركة البضائع والاستثمارات وفرص العمل التي سيجلبها.
لكن الطريق وحدها لا تكفي. فمن دون كفاءات مؤهلة، ستظل الحسيمة مجرد نقطة عبور لا أكثر. وهنا، تبرز ضرورة تعزيز التكوين المهني في الإقليم. يجب أن تتحول مؤسسات التكوين المهني من مجرد توفير شهادات إلى ورش حقيقية لتأهيل الشباب بالمهارات التقنية والصناعية التي يتطلبها ميناء عالمي. فالوظائف المستقبلية لن تكون فقط في قطاع الخدمات، بل في مجالات اللوجستيك، والصناعات الخفيفة، والصيانة، وهي قطاعات تتطلب عمالة مدربة ومؤهلة.
من الطريق إلى السكة: رؤية شاملة للمستقبل
وإذا كان الطريق يمثل ضرورة قصوى على المدى القريب، فإن التفكير الاستراتيجي يجب أن يتجاوز ذلك ليشمل ربط الحسيمة بخط للسكك الحديدية. إن مشاريع السكك الحديدية التي يجري حاليا ربطها بميناء الناظور يجب أن تمتد لتصل إلى الحسيمة، على أن تمر عبر مدينة الدريوش. هذا الامتداد لن ينهي عزلة الحسيمة فحسب، بل سيخلق محورا اقتصاديا متكاملا يشمل منطقة الريف الشرقي بأكملها، من الحسيمة مرورا بالدريوش وصولا إلى الناظور ثم وجدة لاحقا.
ستمكن السكة الحديدية من نقل البضائع بكميات كبيرة وبتكاليف أقل، وهو ما سيشجع على إقامة مناطق صناعية وتجارية في هذه المدن، ويدمجها في سلاسل القيمة العالمية. وبذلك، ستتحرر الحسيمة من قيود “سياحة الجالية” لتصبح جزءا من نسيج اقتصادي أوسع وأكثر استدامة.
إن مستقبل إقليم الحسيمة لا يمكن أن يبقى رهين شمسه وبحره. بل يجب أن يبنى على أسس صلبة من البنية التحتية المتطورة (طريق وسكة حديدية)، وخطط طموحة لتأهيل رأس المال البشري. إن كسر العزلة الجغرافية والاقتصادية ليس مجرد مشروع، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل المنطقة، يضمن لها مكانة مستحقة في الدينامية التنموية التي يشهدها المغرب.