إقليم الدريوش ينزف بشريا… شباب يهاجر وأفق التنمية مسدود

يعيش إقليم الدريوش واحدة من أخطر أزماته الديموغرافية في العقود الأخيرة، بعدما تحول إلى منطقة طاردة لسكانه، خصوصا فئة الشباب التي تشكل قلب القوة العاملة. في وقت تسجل فيه عدة أقاليم مغربية ارتفاعا ملحوظا في عدد السكان، يعرف الدريوش اتجاها معاكسا، حيث تتناقص أعداد القاطنين بشكل مستمر، ما ينذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.
أسباب هذا النزيف واضحة للعيان، فغياب فرص الشغل، وانعدام الاستثمارات الجادة، وركود النشاط الاقتصادي، كلها عوامل دفعت الآلاف من أبناء الإقليم إلى الهجرة نحو مدن كبرى أو خارج الوطن بحثا عن مستقبل أفضل. هذا الوضع كشف عن إخفاقات متراكمة للحكومة وللنخب المحلية، التي فشلت في وضع برامج تنموية قادرة على خلق دينامية اقتصادية واجتماعية تعيد الثقة للشباب.
في جماعات الإقليم القروية والحضرية على حد سواء، تبدو آثار الهجرة جلية: محلات تجارية مهجورة، وأحياء باتت نصف فارغة، وحتى في المدراس لا يتحدث التلاميذ فيها سوى عن الهجرة. المشهد يعكس انهيارا صامتا للنسيج الاجتماعي، في غياب أي رؤية استراتيجية لإيقاف هذا النزيف.
العديد من الفاعلين المحليين والحقوقيين يطالبون اليوم بخطة إنقاذ عاجلة، تبدأ بتحفيز الاستثمار وخلق مشاريع إنتاجية مرتبطة بخصوصيات المنطقة الفلاحية والبحرية، مرورا بدعم المقاولات الصغيرة وتشجيع المبادرات الشبابية، وصولا إلى تحسين البنية التحتية وفتح آفاق جديدة للتكوين المهني.
لكن، ومع استمرار الصمت الرسمي والاكتفاء بوعود متكررة، يظل شبح الهجرة ماثلا أمام شباب الدريوش، الذين يرون في الرحيل السبيل الوحيد للهروب من بطالة مزمنة وأفق تنموي مسدود، بينما يظل الإقليم في انتظار إرادة سياسية حقيقية تعيد الحياة لمدنه وبلداته قبل فوات الأوان.