إشارة أمل من قلب الحزن: جنازة والد الزفزافي تكشف عن أيادي تعبث بمستقبل الريف.. وهذه رسالة للدولة

ريف360- الحسيمة

تتوقف الحياة أحيانا لتفسح المجال لمشاعر أكبر. هذا ما حدث بالضبط في جنازة “عزي أحمذ”، والد أيقونة حراك الريف ناصر الزفزافي. كانت لحظة الوداع الأخير لوالد الأحرار كما سماه ناصر، الذي قضى سنوات عمره في كنف الصبر والانتظار، لكنها تحولت إلى ما هو أبعد من مجرد وداع، لتصبح إشارة قوية وإيجابية ينتظرها الجميع.

خطوة الإفراج الاستثنائي عن ناصر الزفزافي لحضور جنازة والده، كانت لفتة إنسانية عميقة من إدارة السجون ومن خلفها الدولة، وتأكيدا على أن القيم الإنسانية لا تزال تحظى بمكانة عليا. هذا القرار الحكيم لم يمنح ناصر فرصة وداع والده فحسب، بل بعث برسالة طمأنة إلى قلوب الريفيين بأن باب الانفراج ما زال مفتوحا، وأن الأمل في طي صفحة الماضي قريب المنال.

لم يكن ناصر الزفزافي غافلا عن حجم هذه اللحظة، فبكلماته المؤثرة أشاد بالجهود التي مكنته من الحضور، وشدد على أن “مصلحة الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه فوق كل اعتبار”. هذه الكلمات لم تكن مجرد شعارات، بل كانت دعوة إلى تغليب العقل والحكمة، وتأكيدا على أن قضية الوطن تتجاوز كل الخلافات، ورسالة واضحة لبعض الغربان التي تقتات على الأزمات. وقد استقبلت الغالبية الساحقة من أبناء الريف هذه الخطوة بارتياح كبير، ورأوا فيها بشارة خير نحو عفو شامل عن معتقلي الحراك لتصحيح الخطيئة.

ولكن، وكما يحدث دائما، تظهر أصوات نشاز تحاول أن تفسد أي فرصة للسلام. ففي الوقت الذي كان الجميع يترقب أجواء إيجابية، أقدم بعض المراهقين على فعل طائش ومخجل، برشق رجال الأمن بالحجارة وإطلاق شعارات لا تليق بمقام الجنازة. هذا السلوك الذي لا يمثل أبناء الريف ولا أخلاقهم، هو نتيجة حتمية لأجندات خارجية مسمومة. ولم يتأخر معتقلو حراك الريف بسجن طنجة 2 بإدانة الفعل الطائش.

لقد استغل بعض “غربان الخارج” هذه المناسبة الأليمة لمحاولة تأجيج الوضع، ليس حبا في معتقلي الحراك أو مصلحة للريف، بل لخدمة مصالحهم الخاصة. هؤلاء المأجورون الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس للجزائر، لا يهمهم إلا إشعال الفتنة وملء حساباتهم بالأورو الذي تفوح منه رائحة البترول والغاز. لقد اختاروا معسكرهم منذ زمن، وباتوا أدوات رخيصة في يد من يريد اللعب على أوتار الخلافات الداخلية المغربية.

أما أهل الريف، فإنهم على مر التاريخ لم يكونوا أبدا خونة أو مرتزقة، حتى أشد معارضيهم راديكالية يظلون في نهاية المطاف أبناء وطنهم. أما هؤلاء الغربان، فلا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يستطيعون أن يفسدوا المشاعر الصادقة للمواطنين الذين يدركون أن مصيرهم ومستقبلهم لا يمكن أن يكون رهينة لأحقاد مريضة وأجندات مشبوهة.

إن خطوة الإفراج الاستثنائي لم تكن نهاية المطاف، بل بداية طريق جديد نحو تجاوز المرحلة الماضية. وهي دعوة للجميع، من أبناء الريف والوطن، إلى التمسك بالحكمة والتعقل، وعدم الانجرار وراء دعوات التأزيم التي لا تخدم سوى أعداء الوطن.

فإن كانت هذه اللفتة الإنسانية قد أشعلت شمعة أمل في قلوب المكلومين، فإن الإفراج الشامل عن باقي المعتقلين هو ما سيُكمل هذه الفرحة ويُنهي هذه الصفحة الأليمة نهائيًا. إن كل إشارة إيجابية تُعزز الثقة، وكل بادرة حكيمة تزيد من لحمة أبناء هذا الوطن.

رسالة إلى الدولة

إننا اليوم، من هذا المنبر، نوجه نداء صادقا إلى الدولة المغربية. إن الشعب يثق في حكمة جلالة الملك وفي قدرته على اتخاذ القرارات التاريخية التي تخدم مصلحة الوطن العليا. لقد كانت قضية حراك الريف جرحا غائرا في جسد الأمة، والآن حانت الفرصة لالتئامه.

إن الإفراج عن معتقلي الحراك ليس فقط قرارا سياسيا، بل هو قرار إنساني يعكس قيم التسامح والرحمة. فكما سمحتم لابن بوداع والده، اسمحوا لآباء وأمهات وأبناء بلقاء أحبائهم. إن هذا القرار لن يخدم أسر المعتقلين فحسب، بل سيعزز من استقرار الوطن، ويجدد الثقة في المؤسسات، ويعيد الأمل في بناء مستقبل أفضل لجميع أبناء الريف والمغرب قاطبة.

إننا على ثقة بأن حكمة الدولة لن تخذل آمال الملايين الذين يتطلعون إلى هذه اللحظة، وأن الفرحة ستعم كل بيت حين تفتح أبواب السجون ويطلق سراح كل المعتقلين، لتكتمل بذلك الفرحة وتطوى صفحة الماضي بكل مرارتها.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button