أمازيغية الدستور وواقع الإهانات.. حادثة في طنجة تثير جدلا حول حقوق المواطنين في التعبير بلغتهم الأم

ريف360 – طنجة
في حادثة صادمة أثارت جدلاً واسعًا، تعرض جواد أفقير، المنحدر من منطقة الريف ويقيم بطنجة، لتعنيف جسدي ونفسي داخل دائرة أمنية بالمدينة، بعد أن طالب بالحديث بالأمازيغية، لغة الأم والرسمية في المغرب، أثناء تحرير محضر حول نزاع مع أحد الزبائن.
وفق رواية أفقير على صفحته بـ”فايسبوك”، فقد تم تكبيله على كرسي، وتعرض للضرب والسب والشتم بأبشع النعوت، مع توجيه إهانات طالت والدته ومنطقته ولغته الأمازيغية. وقد أدى هذا التعنيف إلى إصاباته الجسدية، بما في ذلك تكسر أظافره، ومحاولة إلحاق ضرر جسدي شديد بمحاولة إطفاء سيجارة في عينه، فيما استمرت الجلسة أكثر من ساعتين.
الغريب أن بعض التعليقات على الحادثة وجهت اللوم إلى أفقير نفسه، مطالبة إياه بالتحدث بالعربية، متجاهلة حقيقة أن الأمازيغية أصبحت لغة رسمية في الدستور المغربي، ولغة أصلية لملايين المواطنين. هناك من وصف التمسك بالأمازيغية بـ”العنصرية”، وهو موقف يفتقر إلى المنطق، إذ أن العنصري الحقيقي هو من يحاول محو هوية شعب بأكمله ورفض حقه في التعبير بلغته الأم.
هذه الحادثة ليست معزولة، بل تمثل جزءا من ظاهرة أوسع، حيث يواجه الأمازيغ في عدة مناطق بالمغرب صعوبات عند استخدام لغتهم في المؤسسات الرسمية أو حتى في الحياة اليومية. من بين الأمثلة الأخرى، التعليقات الساخرة على المدارس الأمازيغية، أو استهزاء بعض المعلمين بالأطفال الذين يتحدثون الأمازيغية، أو رفض بعض الإدارات توثيق المعاملات بهذه اللغة. كل هذه الممارسات تعكس نظرة ضيقة وقاصرة تجاه التنوع الثقافي واللغوي في المغرب.
المشهد الحقوقي يطالب اليوم بإعادة الاعتبار للغة الأمازيغية وفتح تحقيق عاجل في الحادثة التي تعرض لها أفقير، ومحاسبة كل مسؤول تجاوز في حق المواطنين. الحقوق الدستورية للمواطنين لا تقتصر على الحماية من العنف الجسدي، بل تشمل الحق في التعبير بحرية باستخدام لغتهم، دون خوف من الإهانة أو التعنيف.
تاريخيا، الأمازيغية لم تكن مجرد وسيلة للتواصل، بل جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية. رفضها أو السخرية منها ليس فقط تعديا على الأفراد، بل محاولات لتجاهل إرث ثقافي يمتد لآلاف السنين. مثل هذه المواقف القاصرة تقوض جهود الوحدة الوطنية وتعزز الانقسامات الاجتماعية، لأنها تقوم على فكرة أن لغة الأغلبية وحدها هي المعيار المقبول، متجاهلة ثراء الثقافة المغربية وتنوعها.
في النهاية، ما حصل مع جواد أفقير يضع المجتمع أمام اختبار حقيقي: هل سيتم التعامل مع اللغة الأمازيغية بجدية كحق دستوري وثقافي، أم ستظل هناك محاولات لإضعاف مكانتها بحجج واهية؟ الاعتراف بحق كل مواطن في التعبير بلغته الأم هو اختبار حقيقي لنضج المجتمع المغربي وقدرته على احترام التنوع والحقوق الأساسية.